Sunday, June 13, 2010

أريد أن أحكى لكم قصة


بول أوستر*
ـــــــــــــــــــــ
ترجمة: أحمد شافعى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا أعرف لماذا أفعل ما أفعله. ولعلي ما كنت لأشعر باحتياج إلى فعله لو كنت أعرفه. كل ما يسعني قوله، وقوله بأقصى درجات اليقين، هو أنني شعرت بهذا الاحتياج منذ فجر مراهقتي. إنني أتكلم عن الكتابة، وتحديدا عن الكتابة بوصفها وسيلة لحكي القصص، القصص الخيالية التي لم تقع أحداثها فيما نسميه العالم الواقعي. لا شك أنه من الغريب أن يقضي المرء عمره بهذه الطريقة، جالسا وحده في غرفة وفي يده قلم، ساعة تلو ساعة، ويوما تلو يوم، وعاما تلو عام، مجاهدا نفسه كي يضع على الورقة كلمات يحقق بها الميلاد لشيء لا وجود له، اللهم إلا في رأسه. ما الذي يجعل امرءا على وجه الأرض يريد شيئا كذلك؟ الإجابة الوحيدة التي انتهيت إليها هي أن يكون المرء مجبرا على ذلك، هي أن لا يكون لديه خيار آخر.
ذلك الاحتياج إلى الصنع، والابتكار، والإبداع، هو بلا شك احتياج إنساني. ولكن إلى ماذا؟ ما الغاية التي يحققها الفن، وتحديدا فن القص، فيما نسميه بالعالم الواقعي؟ لا يسعني الخلوص إلى أية غاية على الأقل بالمعنى العملي. فلم يحدث أن ملأ كتاب معدة طفل جائع. ولم يحدث أن أوقف كتاب رصاصة قبل اختراقها جسد ضحية. ولم يحدث من قبل أن منع كتاب قنبلة من السقوط على مدنيين أبرياء في غمار حرب.
يروق للبعض أن يتصور أن ازدياد التقدير للفن كفيل فعلا بأن يجعلنا نحن البشر أفضل حالا، أكثر عدلا، أكثر أخلاقية، أكثر حساسية، أكثر تفهما. وقد يصدق ذلك، في حالات محددة نادرة ومتفرقة. ولكن لا ينبغي أن نغفل عن حقيقة أن هتلر قد بدأ حياته فنانا، وأن الطغاة والمستبدين يقرأون الروايات، وأن القتلة في زنازينهم يقرأون الروايات. ومنذا الذي يمكنه الزعم بأنهم لا يحققون من هذه الكتب متعة كالتي يحققها سواهم؟
أعني أن الفن بلا قيمة، على الأقل إذا قارناه بعمل السباك أو الطبيب أو مهندس السكك الحديدية. ولكن هل ما لا قيمة له يكون رديئا؟ هل انتفاء الغاية العملية يعني أن الكتب واللوحات والرباعيات الوترية هي مجرد إهدار للوقت؟ يظن الكثير من الناس هذا الظن. ولكنني أريد أن أذهب إلى القول بأن لاقيمة الفن هي تحديدا ما يعطي الفن قيمته، وأن إنتاج الفن هو ما يميزنا عن بقية الكائنات التي تعيش على سطح هذا الكوكب، أي أن الفن في جوهره هو ما يجعل منا بشرا.
أن تفعل شيئا من أجل المتعة والجمال الخالصين الكامنين في فعله. تخيلوا الجهد المبذول، وساعات التدريب والالتزام اللازمة لكي يصبح المرء راقصا أو عازفا متمكنا للبيانو. فكروا في أشكال المعاناة والعمل الشاق، في كم التضحيات التي يبذلها المرء من أجل تحقيق شيء هو بكل معنى الكلمة وبهائها ... فارغ من القيمة.
على أنه يبقى للقص مكان في عالم مختلف إلى حد ما عن بقية الفنون. فوسيطه هو اللغة، واللغة شيء نشترك فيه مع الآخرين، شيء مشاع بيننا جميعا. منذ اللحظة التي نتعلم فيه الكلام، يبدأ جوعنا إلى القصص في التكون. ومن يستطيع منا أن يتذكر طفولته فسوف يتذكر بأي قدر من البهجة كنا نستطيب لحظة حكاية ما قبل الن;وم، حين كانت أمهاتنا أو آباؤنا يجلسون بجوارنا في شبه العتمة ليقرأوا لنا من كتاب حكايات الجنايات.
يسهل على الآباء بيننا أن يوقدوا نار الحماسة في عيون أطفالنا عندما نقرأ لهم. ولكن ما سر هذه الرغبة الشديدة في الإصغاء؟ إن حكايات الجنيات تتسم في الغالب بالقسوة والعنف، فغالبا ما يتم فيها تصوير الذبح والوحشية والتحولات المخيفة والأعمال السحرية الشريرة. وقد يميل أحدنا إلى اعتبار هذه المادة مخيفة للطفل الصغير، في حين أن هذه القصص تتيح للطفل أن يلتقي بمخاوفه وعذاباته في سياق آمن تماما يتمتع فيه بحماية مطلقة. وذلك هو شأن قصص السحر، قد تهوي بنا إلى أعماق الجحيم، لكنها في نهاية المطاف لا تعرضنا للأذى.
ونكبر، لكننا لا نتغير. تزداد شخصياتنا تعقيدا، ولكن تبقى لنا في سرائرنا أرواحنا لصغيرة، نبقى شغوفين بالإصغاء إلى القصة التالية، وال�8;الية، والتالية. لقد صدرت المقالات تلو المقالات على مدار سنين في كل بلد من بلاد العالم ال 594;ربي لتنعي لنا تناقص عدد القراء، وتعلن لنا أننا قد دخلنا ما يطلق عليه البعض «عصر ما بعد الأدب». وقد يصح ذلك، إلا أنه في الوقت نفسه لم ينتقص من الرغبة الإنسانية في القصص.
ويبقى أن الروايات ليست المصدر الوحيد. فالأفلام والتليفزيون بل والكتب الكوميدية المصورة تنتج كميات هائلة من الحكايات القصصية فيبتلعها الجمهور بقدر كبير من الحماس. وذلك لأن البشر بحاجة دائما إلى القصص. يحتاجون إليها بإلحاح يماثل إلحاح احتياجهم إلى الغذاء، ولولا حضور القصص سواء مطبوعة أو معروضة على شاشة التليفزيون لما أمكن لنا أن نتخيل الحياة بدونها.
وحينما نصل إلى الحديث عن حالة الرواية، ومستقبلها، أجد نفسي أكثر ميلا إلى التفاؤل. فالأرقام والإحصاءات لا تبين لنا في أي مكان تزداد أهمية الكتب، إذ لا يوجد إلا قارئ واحد، لا يوجد في كل مرة إلا قارئ واحد. ومن هنا تأتي القوة الخاصة التي تنفرد بها الرواية، ومن هنا يستحيل في ظني أن تموت الرواية كشكل أدبي. فكل رواية هي نتاج تعاون بين الكاتب والقارئ على قدم المساواة، وهي المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه لاثنين أن يلتقيا في ظل حميمية مطلقة.
لقد قضيت حياتي في حوارات مع أشخاص لم تتهيأ لي مقابلتهم قط، ولن أعرفهم أبدا 48; وأتم 6;ى أن أستمر في ذلك حتى أتوقف عن التنفس.
إنها الوظيفة الوحيدة التي أردت أن; أعمل فيها

* نص الكلمة التي ألقاها بول اوستر في أكتوبر الماضي عند تلقيه جائزة الأمير أوسترياس للأدب، وهي أهم الجوائز الأسبانية في الأدب، وهو النص الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 5 نوفمبر 2006 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولد الروائي والناقد والمترجم والسينمائي الأمريكي بول بنيامين أوستر في 3 فبراير 1947، في نيوارك بولاية نيو جيرزي، لأبوين من أصل بولندي. درس في جامعة كولومبيا، وبعد تخرجه فيها عام 1970، سافر إلى فرنسا حيث عاش لفترة على ترجمة الأدب الفرنسي إلى الإنجليزية. عاد إلى الولايات المتحدة عام 1974، وبدأ نشر قصائده ومقالاته ورواياته. متزوج حاليا من الروائية الأمريكية سيري هستفيدت وله منها ابنة هي صوفي، وسبق له الزواج من الكاتبة الشهيرة ليديا ديفيس وله منها ابن يدعى دانيال.

 

Thursday, June 10, 2010

نص قدم



 نص قدم بين صرير البيبان

تشق صبر الخطاوى، تزُكّ ع الغيم
يبان ليل بيجرى فوق صفايح سُهْد
متنجّرة ف جدار فى أوضة معتّمة
فوق سطوح متشعلقة على حبل دايب
على حافّة طاقة بتبص على نص قدم

تسكن بيوت..تهجر بيوت،
 تجر أحجار الشوارع
تخدش صمت البيوت
تفتح عِرْق ف جبين السّما ..ف ينزّ دم
تلحسه ريح مُتْعَبَة

نص قدم
تهجر شوارع..تهجر سلالم
شقق فاضية..مليانة، أو سطوح
متونسة بفراغ وحدة متسرسبة
من جدار قديم...كان هناك
عند البيت اللى كان فى أول الحارة
و اتغطى بستارة

نص قدم...كَتْ قدم
أصبحت الآن تفتح سكك للعدم.