Wednesday, February 06, 2008

شاى بالشوكولا


ليلة مطيرة من ليالى الإسكندرية, الهواء المتمرد يصفع الموج بقسوة, تتناثر ذرات كثيفة منه خارج الكورنيش....يبلل الرصيف حيث يمشى المارة..قطرات دفاقة تنهمر فى نعومة..أجدها لحظة مناسبة للرقص, بين العربات السريعة فى الطريق الواسع الرحب أجدنى أبتكر طريقة مختلفة للرقص..رائحة اليود تملأ الأنف و تبعث إحساساً منعشاً....الأضواء الهاربة للسيارات تمنحنى لونا من الإرتياح للمرور. على إيقاع المطر يتلون إيقاع قلبى.


(2)


كنا قد تهاتفنا ..تحدثنا قليلاً محددين الزمان و المكان.لم يكن اللقاء الأول و لكنه أول لقاء لنا على أرض الواقع, نحاول كسر إفتراضية العالم الذى عشناه قبلاً.أتت متأخرة قليلاً, لا كالتى فى الصورة القديمة, بالعكس, كانت نضرة, بيضاء, و كانت عيناها خضراوين, ظلها يمشى وراءها فى إرتخاء, أصابعها باردة كحال الأصابع فى ليلةٍ شتوية, ترتدى بنطال من الجينز أزرق, و تى شيرت نبيتى أغمق من لون الدم قليلاً يعلوه بلوفر بيج به سوسته يميل للون البسكويت عند خروجه من طاقة الفرن على صينية ملتهبة, شنطة اليد خاصتها صغيرة الحجم بحجم كفين, و لونها يميل للون جلد الغزال .فى البداية تتحدث كصديق قديم قدم السماء و الأرض و عندما يرن تليفونها المحمول تتصنع سمت سيدة أعمال يغالبها الوقار كقادمةٍ على إتخاذ قراراتٍ مصيرية.


(3)


كنت قد أعددت خطة, سألقاها ثم أنتحر, السكين الحاد الذى فى حوزتى يعرف طريقه إلى الشريان الكائن فى رسغى الأيمن, حتى جسدى يمكنه السير لمسافةٍ قليلة حتى يصل إلى البحر عند محطة الرمل و حينها سيجد ان قاع البحر لديه متسع لجثث القتلى, خيط الدم المصاحب لجسدى لن يلاحظه المارة و لن يعطوا له أى انتباه, لكن ضميرى يعمل كسكين حاد آخر يأكل من خبز روحى و يقطعه قطعة فقطعه. عندما أسكن فى قاع البحر سأنسى عندئذٍ طقطقات أصابعى على لوحة المفاتيح و ستنسى عينى صورةً لها قديمة تأملتها قليلا حتى لا تتوه ملامحها بين دفاتر الذاكرة, و حين ألقاها لا تتوه منى فى زحام المدينة.


(4)


عندما إلتقينا تحول البشر من حولى إلى تماثيل شمعية يتساقط عليها المطر و تجد قطراته طريقها بسهولة إلى أسفلت الشارع. نقرات خفيفة على الأرضية تخبط على الموتى فى باطن الأرض لتوقظهم, الضوء المبهر الذى يسرج فى السماء يذكرنى بفلاش الكاميرا و كأن أحداً من فوقنا يراقبنا و يلتقط لنا صوراً تذكارية .. و ينذرنا كذلك بأن نستعد لزخات مطرٍ متسارعة سوف تشرعها السماء فوقنا فجأة.


(5)


البرواز الذى يحوى صورتها, المعلق على حائط الذاكرة, حَفَرتُ فيه ثقباً كى أتسلل إلى جانبها بدون أن تشعر.. وحين شعرت بدبيب صورة أخرى داخَلَها الوجل, نبذته من حيز البرواز, خرج و لم يعد بعد أن تكسر الزجاج ممتزجا ببقايا دمه الذى نفذ حتى آخر قطرة.نسير يتبعنا قطيع من قطط الشوارع السوداء, تبرق أعينها كشمعات مضاءة فى حيز الظلام تأنى من بعيد, أيضاً تجرى ورائنا بقايا بقايا قطرات من مطر على أسفلت الشارع المنحدر إلى البحر.تخبط وجوهنا رياحٌ عوّدتنا أن نتمسك بأرديتنا فى صعوبة و لم تسمح بأن تجعل تشابك أصابعناعادةً نخبىء بها خوفنا من وحدةٍ ملتبسة.


(6)


أحصى أعمدة الشوارع المغسولة بماء المطر بينما نحن نسير فى طريقنا إلى محل"تريانون" محطة الرمل. نتخذ لنا طاولة و مقعدين قبالة البحر االذى سكنه الظلام, الكورنيش ملىء بصبيان و بنات يثرثرن و يضحكن بصوت مرتفع صفيق, باعة الترمس, فلاشات الكاميرات تومض بين لحظة و أخرى, دقات الأحذية تصنع لحنا زمنياً منغماً.نطلب قطعتين من الشوكولا, نحفز حاسة الشم عندنا كقطط تبحث عن فتات طعام بين صفائح القمامة, ثم نشرع الشوكة و السكينة فى وجه الآخر, ننتبه إلى أطباق الشوكولا, نغير مسار الأسلحة.نبدأ إلتهام القضمات دون أن ينظر أحدنا إلى الآخر, كمنهمكان فى حل مسألة حسابية على ورق أسئلة فى قاعة إمتحانات مغلقة ليس فيها إلا كلانا, ملآنة بالمراقبين, ننتبه حينما يصل مد الماء إلى أعناقنا, حينها يحدث الجذر و نوقن أننا فى ضيافة القمر.


(7)


تفتح الكلمات فمى و تغلقه, كصندوق جدتى الكبير الملىء بالحاجيات التى لها رائحة الذكريات, ككلمات كثيرة محبوسة فى صندوق خشبى فتح الزمن قفله عنوة, تخرج الكلمات منه تباعاً ..و لكنها قبالتى ساهمةً ينسدل جفناها فوق عيناها كقطةٍ ملولة.إقترحت إقتراحاً بدون أن تنطق به شفتى, أن نستأجر ثلاجتين و نضع بهما نفسينا حتى آخر الليل ثم نفترق.لو كانت أعين الزبائن متربصة بنا من بعيد, ستلاحظ تحركات شفتى المتسارعة و حركات يديها الضطربة لا إرادياً و هى تقطع المنديل الورقى الذى أمامها على الطاولة إلى قطع صغيرة, ستلاحظ فراغ كرسيها من آونة لأخرى متوجهة إلى الحمام متعللة بتعديل الميك أب آخذةً معها تليفونها المحمول...لكن المكان كان خالياً.بين فترات الكلام المتقطعة كنغمٍ رتيب ممل..نأخذ نفساً مكبوتاً بين فاصلة و أخرى. بالكاد كانت أذنانا تساعدنا على السمع, لا شىء غير همهمات و إيماءات بالرأس و إبتسامات باهتة موهمة يالإنصات. و عندما يهم خيط الحديث أن يرتخى و نحس أنه سيتوه منا و يتشابك بين خيوط التفكير الأخرى ننتبه لنبحث عنه فى صعوبة, نجده, لنكمل الحديث فى ضجر .بعد أن ننتهى من الشوكولا نطلب فنجانين من الشاى, نحتسيهما مع الكلمات المتوقفة على الشفاة فيعطى مذاقاً مناسباً بحفلة صمتٍ مطبق؟ننتهى من الشاى ثم نفترق على أمل لقاءٍ آخرأسير فى الشارع وحيداً, و عندما أجدها بعد دقائق قبالتى , تلتقى عينانا لحظة ثم يسير كلٌ فى طريقه.

2 comments:

Bassma said...

هذا يحدث احيانا :)
المهم رغم التوتر البادي علي كليكما متهيألي قضيتما يوما ليس من السهل ان تنسياه .. حيث الاسكندرية و الشتاء و الشوكولا مجتمعين :)

raspoutine said...

مشوفتش عمرى اجمل ولا اجن من مطر اسكندرية الغالية