Sunday, September 13, 2009

سانشو بانزا

هزيلاً يسير حمارى التائه، يمضغ حشاش الأرض و ما تبقى من فتات بنى البشر الطيبين التعساء، يجر رجليه، تساعده الرياح العاتية على التقدم للأمام و الإنزلاق حيناً فوق أرضٍ طينية إلتمعت وجنتاها فى ضوء القمر، أشفقت عليه، عظامه البارزة يكسوها جلده الذى يشفّ عن أمعاءٍ خاوية، يسير بالكاد متدليةً أذناه، يلهث، و كذلك كنت أنا،آه يا حمارى المسكين ..لقد أنهكنا" السيد" بأفكاره الوهميه و حروبه الخيالية و صراعاته اللا آتيةٍ بنتيجة، هه..لكن ما جدوى أن أعترض، عندما كنت فى صباى و بداية يفاعتى و نضجى..جاهدت لأن أكون سيداً لنفسى..سيداً لهذا الكون، بحثت فى أعماقى علّى أجد سيداً، لكنى أنهكنى البحث، فمضيت أبحث عن سيد أرتوى بأفكاره و أسير على خطاه علّى أشق طريقاً فى الحياة أنتهى لمنتهاه عند نهاية العمر فلا أتيه فى وادى التيه و لا أعبر بحار النسيان أو أتشتت فى أرضٍ قاحلة أو طرقٍ متفرعة، لكن..مكتوبٌ علىّ أن يكون هذا السيد هو سيدى، فالطباع تتقارب، هو إنسان عاطفىّ النزعة، رومانسىّ الطابع، هلامىّ الفِكر، خشبىّ السيف، قد أعمى الهوى بصره، و غطت نزعاته بصيرته، هذا هو سيدى دون كيشوت، كلما أراه يحارب طواحين الهواء يفتُّ ذلك فى كبدى و يملؤنى حسرةً عليه و حزناً على ما آلت إليه حاله، قدرٌ و قد كُتِبَ علىّ، لم أحاول فى يومٍ من الأيام أن أثور عليه أو أنزع نفسى من ربقة هذا السيد- مع مقدرتى على ذلك- و لكن كأنما يشدنى إليه خيطٌ رفيع قوىّ و غير مرئىّ، و لو رأيته لسارعت إلى قطعه، لكن عينى كعينه، رأيته صاحب قضية و إن تكن خاسرة، لكنها خيرٌ من لا شىء...هكذا قلت لنفسى أنا المأفون سانشو بانزا، أنا المغضوب علىّ من الأزل، مكتوبٌ علىّ أن تلتصق بى هذه اللعنة طيلة حياتى و تلاحقنى بعد مماتى، فيا حمارى المسكين: هل لك إلا السير؟ هل سترفض فتكون دليلى إلى الخلاص، أم سترضخ لهذه القوة الجبارة التى تدفعك وراء هذا السيد النبيل اللعين؟....إشارةٌ منك، تردد، توقُّفٌ حتى ، لكنى لا أرى منك أى بادرة، يا خسارة....لن أكون إلا سانشو بانزا مسكين.


4 comments:

Carol said...

اعجبني فكرة التدوينة مختلفة
أحب أسلوب كتابتك جدا مميو في عالم التدوين قلقل جدا عنكا تصادفك مدونة تكتب بعمق و اسلوب راقي

تحياتي لك
شكرا لأنك تضع صورة جبران فأنا أعشقه

AMRO .O. ABDELHALIM said...

اسلوب رائع وجميل
كثير من نصوصك تنحو تلقاء الخاطرة او الفضفضة
رغم انها تقترب كثيرا من فضاء القصة القصيرة
استمتع كثيرا بقراءتك
عامل ايه مع الجيش؟
تحياتى

koora said...

مشكوووووووووووووووووووووور

Dantil said...

نص جميل جداً يااسلام
بالمناسبة شكراً لسؤالك عن الغياب
طابت كل أوقاتك