Monday, October 18, 2010

متعة الطيران

ترانيم مبجلة تحدو خطانا إلى شىءٍ لا نعلمه، تسبقنا نبؤات العارفين، تؤنس وحدتنا دقاتٌ رتيبة لمياهٍ وقت المطر أو شموعٌ نشعلها بالليل عندما لا يجيئنا نوم و يستعصى علينا الرقاد، أو لنبضات الأرق اللعينة تخبط أدمغتنا فى حائط الصمت و تفعل بهدوء و بلادة شروخاً فى الذاكرة، فكرةً رومانسية و فجة الإعتقاد بأننا فى يوم من الأيام ستنبت لنا أجنحة، هو التوهم ما يعطى للإعتقاد معنى و يفسح له مكاناً فى حيز الوجود، النوم..نعم النوم..النوم هو ما يعطينى أيضاً القدرة على ذلك، و الغريب أنى لا أحس إلا أن هذا حقيقى و ليس مفتعل، صدقونى ..انى لدىّ القدرة على الطيران الآن..انظروا..هكذا..و لكن أغمضوا أعينكم أولاً..نعم هكذا..هل تشعرون برفيف أجنحتى؟...ريشى ناعمٌ أيضاً.. من السهل أن تستشعروا ملمسه فى خفقات الهواء التى تسرى منى إلى وجوهكم...حسنا حسنا..إفتحوا أعينكم..الآن انا أمامكم..ببساطة حلقت بعيدا ثم جئت إلى نفس المكان..ألا تصدقونى؟..آه الصوت ..صوتى كنتم تسمعونه و أنا بعيد كأننى كنت بجانبكم و فمى ملاصق لآذانكم..صدقونى..من الجائز أن هذا غير معقول..و لكن طالما أن الواحد لديه القدرة على الطيران فباستطاعته أن يسمعه الآخرون..كل الآخرين.

إنها متعة حقيقية أن تكون بجانبى، أستشعر أنفاسها، تخنقنى محاولتى الدائبة لاختصار المسافات بيننا، و لكن فى نفس الوقت تمنحنى المحاولة وهجاً و حرارة تقدح فى رأسى ملايين الأفكار التى تشذب من حشائش معنوياتى الآيلة للسقوط..لكنها فى كل مرة أقترب تتسع بيينا فجوة من المسافات تمتلىء بركام إنفعالاتٍ بائتة..تتسع و تتسع حتى تختفى...و أبحث..أظل أبحث..و يرهقنى التردد على مستنقع الغياب أرشف من مياهه القذرة فى صحراءٍ تنتعل الوهم و تبعثر بذور المجاز فى نفسى الجرداء و الفارغة.

ارتضيت أن أكون مجرد كومبارس فى سيرك وهمى، متفرجٌ أنا فى الأساس، أشاهدكم تصبغون وجوهكم الكالحة بالألوان، تعبثون بأعضاءكم..تبترونها، تقيموا لها عمليات تجميل أو تقيموا لها الولائم على شرف اللامبالاة القذرة التى أوليتموها لى...بصفتكم بهلوانات ..يمتعنى النظر إليكم تتقافزون هنا و هناك كأفراد حفظوا دورهم و اتخذوا أماكنهم فى جبلاية القرود...إنى راضٍ عن نفسى رضا مهرج فى حفلةٍ تنكرية، إنى متخفٍ الآن..هل تعرفوننى..هل تقدرون على التعرف على ملامحى، هل تريدون ذلك فعلاً؟..أنا لا أبالى..و لكن انظروا...سأقدم لكم عرضا خرافياً..ليست لديكم الرفاهية حتى للتفكير فيه..لكن شرط ألا تتورطوا فى الإنتباه إليه..من الممكن أن تتصنعوا ساعتها عدم الرؤية.أو أنكم مشغولون بأموركم السخيفة، أو فى أسوأ الأحوال تشاهدون فيلماً مملاً و مع ذلك تنظرون إلى بعضكم البعض و تضحكون فى بلاهة..هذا هو الأمر ..عندما تشاهون عرضى ...بعد انتهائى انظروا إلى الأرض و فكروا للحظة أن ما رأيتموه ليس حقيقياً... فعادةً ما يكون ذلك مفتعلاً و بغيضاً و يدعو إلى الشفقة...أنا نفسى أؤمن بذلك...لا لا ..لا تذكروا ذلك..أنا رومانتيكى؟..هاه؟..أو... من الممكن أن أكون كذلك..من يعلم.

عرض مؤجل: أهيم فى الشوارع على وجهى، أنظر للافتات المضيئة و الطرق المزدحمة على الجانبين بالعربات الفارغة من الناس الذين تكتلوا فى وسط الطريق، دور السينما لم تزل تعمل و تحلقات كثيرة أمام الأبواب، النجوم..آه النجوم..كم هي براقة و جميلة..و أفكر كم هى الحياة حلوة و لذيذة..إنها لذيذة حقاً، و فيها إمكانات كثيرة متاحة...و لكن يا لحظى السىء، لم أفلح مرة فى إختبار نجاح إمكانياتها على حياتى..القياس معدومٌ أصلاً، إمكانياتى..إمكانياتها..فوارق كثيرة تفصلنا عن بعض و تضع بيننا خندقاً عميقاً..و لكننى احبها..هل أحبها؟...هل تحبنى؟..من المحتمل...يا لغبائى، كادت تدهسنى عربة، من المخيف أن أقترب كل هذا القرب من كائن حديدى مندفع، نظرا لتجربتى السابقة فى التصادم و التى تركت علامات و عرج خفيف فى الساق اليمنى نتج عنه خوف مرضى من عبور الطريق...لا يهم..أدت وضيفتها فى تحويل مجرى الكلمات التى تنكتب على ورقة عقلى المجهد. أنظر يميناً و يساراً، أنتقى عمارة مرتفعة..عشرة أدوار مثلاً، أصعد إلى سطحها، يتداعى إلى أذنى غناء لامرأة تنشر ملابسها الداخلية و الخارجية على أحبال فى ركنٍ بعيد " الحياة حلوة بس نفهمها..الحياة حلوة محلا انغامها" ..أحب فريد الأطرش، كنت أود أن اذهب إليها و أحدثها بافتتانى بجميع اغانيه و أنى أفضل منها" عدت يا يوم مولدى" ..تبعث فىّ شجناً لا يطاق..لكنى تراجعت إلى السور الجنوبى و استجمعت طاقتى للركض، بدت مذعورة و خائفة و اتسعت عيناها كلما اقتربت منها، فى لحظة رفعها ليديها على فمها رفعت أنا ساقىَّ على السور التى تقف بمحاذاته مفتعلا ابتسامه، محتضاً الهواء بكلتا زراعاى، أشارككم بطريقتى متعة السقوط.

Sunday, June 13, 2010

أريد أن أحكى لكم قصة


بول أوستر*
ـــــــــــــــــــــ
ترجمة: أحمد شافعى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا أعرف لماذا أفعل ما أفعله. ولعلي ما كنت لأشعر باحتياج إلى فعله لو كنت أعرفه. كل ما يسعني قوله، وقوله بأقصى درجات اليقين، هو أنني شعرت بهذا الاحتياج منذ فجر مراهقتي. إنني أتكلم عن الكتابة، وتحديدا عن الكتابة بوصفها وسيلة لحكي القصص، القصص الخيالية التي لم تقع أحداثها فيما نسميه العالم الواقعي. لا شك أنه من الغريب أن يقضي المرء عمره بهذه الطريقة، جالسا وحده في غرفة وفي يده قلم، ساعة تلو ساعة، ويوما تلو يوم، وعاما تلو عام، مجاهدا نفسه كي يضع على الورقة كلمات يحقق بها الميلاد لشيء لا وجود له، اللهم إلا في رأسه. ما الذي يجعل امرءا على وجه الأرض يريد شيئا كذلك؟ الإجابة الوحيدة التي انتهيت إليها هي أن يكون المرء مجبرا على ذلك، هي أن لا يكون لديه خيار آخر.
ذلك الاحتياج إلى الصنع، والابتكار، والإبداع، هو بلا شك احتياج إنساني. ولكن إلى ماذا؟ ما الغاية التي يحققها الفن، وتحديدا فن القص، فيما نسميه بالعالم الواقعي؟ لا يسعني الخلوص إلى أية غاية على الأقل بالمعنى العملي. فلم يحدث أن ملأ كتاب معدة طفل جائع. ولم يحدث أن أوقف كتاب رصاصة قبل اختراقها جسد ضحية. ولم يحدث من قبل أن منع كتاب قنبلة من السقوط على مدنيين أبرياء في غمار حرب.
يروق للبعض أن يتصور أن ازدياد التقدير للفن كفيل فعلا بأن يجعلنا نحن البشر أفضل حالا، أكثر عدلا، أكثر أخلاقية، أكثر حساسية، أكثر تفهما. وقد يصدق ذلك، في حالات محددة نادرة ومتفرقة. ولكن لا ينبغي أن نغفل عن حقيقة أن هتلر قد بدأ حياته فنانا، وأن الطغاة والمستبدين يقرأون الروايات، وأن القتلة في زنازينهم يقرأون الروايات. ومنذا الذي يمكنه الزعم بأنهم لا يحققون من هذه الكتب متعة كالتي يحققها سواهم؟
أعني أن الفن بلا قيمة، على الأقل إذا قارناه بعمل السباك أو الطبيب أو مهندس السكك الحديدية. ولكن هل ما لا قيمة له يكون رديئا؟ هل انتفاء الغاية العملية يعني أن الكتب واللوحات والرباعيات الوترية هي مجرد إهدار للوقت؟ يظن الكثير من الناس هذا الظن. ولكنني أريد أن أذهب إلى القول بأن لاقيمة الفن هي تحديدا ما يعطي الفن قيمته، وأن إنتاج الفن هو ما يميزنا عن بقية الكائنات التي تعيش على سطح هذا الكوكب، أي أن الفن في جوهره هو ما يجعل منا بشرا.
أن تفعل شيئا من أجل المتعة والجمال الخالصين الكامنين في فعله. تخيلوا الجهد المبذول، وساعات التدريب والالتزام اللازمة لكي يصبح المرء راقصا أو عازفا متمكنا للبيانو. فكروا في أشكال المعاناة والعمل الشاق، في كم التضحيات التي يبذلها المرء من أجل تحقيق شيء هو بكل معنى الكلمة وبهائها ... فارغ من القيمة.
على أنه يبقى للقص مكان في عالم مختلف إلى حد ما عن بقية الفنون. فوسيطه هو اللغة، واللغة شيء نشترك فيه مع الآخرين، شيء مشاع بيننا جميعا. منذ اللحظة التي نتعلم فيه الكلام، يبدأ جوعنا إلى القصص في التكون. ومن يستطيع منا أن يتذكر طفولته فسوف يتذكر بأي قدر من البهجة كنا نستطيب لحظة حكاية ما قبل الن;وم، حين كانت أمهاتنا أو آباؤنا يجلسون بجوارنا في شبه العتمة ليقرأوا لنا من كتاب حكايات الجنايات.
يسهل على الآباء بيننا أن يوقدوا نار الحماسة في عيون أطفالنا عندما نقرأ لهم. ولكن ما سر هذه الرغبة الشديدة في الإصغاء؟ إن حكايات الجنيات تتسم في الغالب بالقسوة والعنف، فغالبا ما يتم فيها تصوير الذبح والوحشية والتحولات المخيفة والأعمال السحرية الشريرة. وقد يميل أحدنا إلى اعتبار هذه المادة مخيفة للطفل الصغير، في حين أن هذه القصص تتيح للطفل أن يلتقي بمخاوفه وعذاباته في سياق آمن تماما يتمتع فيه بحماية مطلقة. وذلك هو شأن قصص السحر، قد تهوي بنا إلى أعماق الجحيم، لكنها في نهاية المطاف لا تعرضنا للأذى.
ونكبر، لكننا لا نتغير. تزداد شخصياتنا تعقيدا، ولكن تبقى لنا في سرائرنا أرواحنا لصغيرة، نبقى شغوفين بالإصغاء إلى القصة التالية، وال�8;الية، والتالية. لقد صدرت المقالات تلو المقالات على مدار سنين في كل بلد من بلاد العالم ال 594;ربي لتنعي لنا تناقص عدد القراء، وتعلن لنا أننا قد دخلنا ما يطلق عليه البعض «عصر ما بعد الأدب». وقد يصح ذلك، إلا أنه في الوقت نفسه لم ينتقص من الرغبة الإنسانية في القصص.
ويبقى أن الروايات ليست المصدر الوحيد. فالأفلام والتليفزيون بل والكتب الكوميدية المصورة تنتج كميات هائلة من الحكايات القصصية فيبتلعها الجمهور بقدر كبير من الحماس. وذلك لأن البشر بحاجة دائما إلى القصص. يحتاجون إليها بإلحاح يماثل إلحاح احتياجهم إلى الغذاء، ولولا حضور القصص سواء مطبوعة أو معروضة على شاشة التليفزيون لما أمكن لنا أن نتخيل الحياة بدونها.
وحينما نصل إلى الحديث عن حالة الرواية، ومستقبلها، أجد نفسي أكثر ميلا إلى التفاؤل. فالأرقام والإحصاءات لا تبين لنا في أي مكان تزداد أهمية الكتب، إذ لا يوجد إلا قارئ واحد، لا يوجد في كل مرة إلا قارئ واحد. ومن هنا تأتي القوة الخاصة التي تنفرد بها الرواية، ومن هنا يستحيل في ظني أن تموت الرواية كشكل أدبي. فكل رواية هي نتاج تعاون بين الكاتب والقارئ على قدم المساواة، وهي المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه لاثنين أن يلتقيا في ظل حميمية مطلقة.
لقد قضيت حياتي في حوارات مع أشخاص لم تتهيأ لي مقابلتهم قط، ولن أعرفهم أبدا 48; وأتم 6;ى أن أستمر في ذلك حتى أتوقف عن التنفس.
إنها الوظيفة الوحيدة التي أردت أن; أعمل فيها

* نص الكلمة التي ألقاها بول اوستر في أكتوبر الماضي عند تلقيه جائزة الأمير أوسترياس للأدب، وهي أهم الجوائز الأسبانية في الأدب، وهو النص الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 5 نوفمبر 2006 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولد الروائي والناقد والمترجم والسينمائي الأمريكي بول بنيامين أوستر في 3 فبراير 1947، في نيوارك بولاية نيو جيرزي، لأبوين من أصل بولندي. درس في جامعة كولومبيا، وبعد تخرجه فيها عام 1970، سافر إلى فرنسا حيث عاش لفترة على ترجمة الأدب الفرنسي إلى الإنجليزية. عاد إلى الولايات المتحدة عام 1974، وبدأ نشر قصائده ومقالاته ورواياته. متزوج حاليا من الروائية الأمريكية سيري هستفيدت وله منها ابنة هي صوفي، وسبق له الزواج من الكاتبة الشهيرة ليديا ديفيس وله منها ابن يدعى دانيال.

 

Thursday, June 10, 2010

نص قدم



 نص قدم بين صرير البيبان

تشق صبر الخطاوى، تزُكّ ع الغيم
يبان ليل بيجرى فوق صفايح سُهْد
متنجّرة ف جدار فى أوضة معتّمة
فوق سطوح متشعلقة على حبل دايب
على حافّة طاقة بتبص على نص قدم

تسكن بيوت..تهجر بيوت،
 تجر أحجار الشوارع
تخدش صمت البيوت
تفتح عِرْق ف جبين السّما ..ف ينزّ دم
تلحسه ريح مُتْعَبَة

نص قدم
تهجر شوارع..تهجر سلالم
شقق فاضية..مليانة، أو سطوح
متونسة بفراغ وحدة متسرسبة
من جدار قديم...كان هناك
عند البيت اللى كان فى أول الحارة
و اتغطى بستارة

نص قدم...كَتْ قدم
أصبحت الآن تفتح سكك للعدم.

Friday, May 28, 2010

Sweet Movie


Film By Dusan Makavejev

  
محمود الصوّاف..من ديوان مربّع داير

اتلمّ جوه الكيف
و بعتر الزحمة
الزحمة مش برّاك
الزحمة من جوّه..
لكلام و سكوت
و غنوة موت على المسرح

ممثل مسرحى واقف على سريره
لابس قناع بيراندللو
بيتقطع ما بين الصالة و المسرح
و بقعة ضوء بتخفى الرعشة من صوته

يا إما يعيش فى غيبوبة
يا إما يموت ورا ستارة.

 Shoot from Sweet movie

 حاجة كدة مش بطّالة لواحد اسمه محمد جابر

و كمان للتحميل و الإستماع
قصيدة : قالوا لى بتحب مص؟..قلت مش عارف. لتميم البرغوثى

Thursday, May 06, 2010

The idiots


Film by idiots, about idiots, for idiots(1998)

يبدو لى أن مجيئى للعالم ...كان أحد الأخطاء المروّعة


من يانيس ريتسوس
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أستسلم الآن للكون،
اشرع بوابات الرغبة 
باعجاب و قلق
لأحول الحزن إلى نشوة
و الصرخة إلى صلاة.
***************
ملياً أُنصتُ
لقطرات الندى المتساقطة
من ينبوع خفى
ما يلبث أن يجف.

Wednesday, April 21, 2010

أنا تعبان أوى


عارفة إنك تعبانجدا و حاسّة بيك أوى، إحساسى ناحية تعبك متسرسب جوايا من زمان، بس ما كنش عندى الجرأة إنى أصارحك، مش عارفة ساعتها كنت حتقدر موقفى و اللا لأ، اللى هوا مصارحتى ناحيتك باللى أناحسّاه ناحية أزمتك الحالية، عارفة إنك من ساعة ما غيرت تاكل أكل كوك دوور و بقيت بتروح ماكدونالدز و إنت مزاجك زى الزفت، حتى إن مقدرتك الحالية ما بقتش تخليك تطلب ديلفرى لحد البيت، بس صدقنى الحالة دى ما بتطولش كتير..هتطلع منها بسرعة وسهولة زى الشعرة م العجين،- لأ، إنتى فهمتينى غلط..الموضوع أبسط مما تتخيلى..كل المشكلة إنى متوتر شوية مش أكتر ..بمر بحالة بين البين و مش قادر أرسالى على حل...المشكلة فى نظرى كبيرة لكن لو جينا نبص لها من منظور تانى هنلاقى إنها لا شىء يُذكر..فيها إيه حتى لو كان عنوانها تانى أو إنها ما إتوجدتش من أصله..هتفرق كتير؟..المشكلة ببساطة إنى مش لاقى عنوان ملائم للنوت دى، ممكن أناإستقريت إنها تكون"أنا تعبان أوى" بس ده ما يمنعش برضه إنها تحتمل عناوين تانية أكثر تعبيرا و مكتسبة شىء من الحقيقة أكتر من العنوان البسيط ده و اللى هوا فعلا أصبح مستهلك و بقينا بنسمعه كتير أوى...أناعاوز حاجة جديدة..ما انكرش إنى فكرت فى إحتمالات تانية..جايز ما إستقرتش عليها عشان ممكن تكون مفتعلة؟ ما بتعبرش أكتر عن الوضع اللى أنافيه...تقدرى تقولى إنتى فهمتى إيه من" تعبانأوى"، - أقولك، بص كده، هوا طبعا عنوان مايع، ما أقددرش أقول إن أنافهمت منه حاجة معينة بالتحديد، ممكن مثلاً إنك تكون بتعانى من ألم فى الأسنان مش مخليك بتعرف تنام أو أو إنك و إنت ماشى فى الشارع إتكعبلت فى طوبة ما كنتش واخد بالك منها و وقعت و إتعورت و إنت بتترعب من لون الدم أو خدشة بسيطة فى رجلك اليمين، إشمعنى رجلك اليمين..مش عارفة، ممكن أوى تكون و انت قاعد على الفيس بوك و جهازك هنج و الإنبوكس مش راضى يفتح عشان تشوف رسايل إنت ما كنتش منتظرها و مش مستنى إنك تنظرها فتحس بالخنقة و تلعن ميتين الفيس بوك على اللى بدعه و تحس إنك تعبان..فيه حاجات كتير يا صاحبى ممكن تتعب البنى آدم و هوا مش واخد باله منها فتتخزن جواك و تعمل طبقة فوق طبقة فوق طبقة لحد أما تغطيك فتحس بنفسك ضيق و دموع بتنزل من عنيك و انت مش واخد بالك و أما تاخد بالك تقول أنا تعبان أوىيا رب...و مين يسمع؟

-
ممكن، كلامِك فى مجمله ممكن يكون صح، إذا أخدنا الخطوط الرئيسية مش الوقائع أو الأحداث ، أيون كلامك فيه عمق إذا إحنا تقصينا اللى وراه...مش عارف ليه لما سمعتك و انتى بتتكلمى و حماسك فى وصف الألم جه على بالى مشهد من فيلم قديم بين دوق و كونتسيه


سيدى الدوق إن السماء تمطر، أعلم عزيزتى الكونتسية أنها تمطر..فالمطر يدق على زجاج النافذة دقات عنيفة تصيبنى بالدوار، هل أنتَ مُتعَب؟، أوه نعم... بطبيعتى لا أحب المطر..فهو يصنع برك مائية تخلّف أوحالاً لا تقدر عربتى السير فيها كما أن ملابسنا تتسخ إن حاولنا السير، أوه سيدى الدوق إنك شاعرىّ إلى أبعد الحدود..لم أسمع هكذا أقوالا فى المطر لا من قبل و لا من بعد، شكرا شكرا كونتيستى العزيزة..فى أحيان كثيرة ما أسأل نفسى مصدر كلامى و كيف قلته..تعلمين أننى دائما ما أفتح عيون السامعين دهشة و إعجاباً..و يقولون أننى مُلهم أو يوحى إلىّ..لكننى أبدا ما إعترفت بشىء إسمه إلهام أو ما يُدعى وحى...ربما نقول الشعر و نحن نتحدث أحاديث عابرة بدون أن نلتفت إليها إلا عندما نتحسس وقعها علينا عندما تكون فى الماضى، أوه أوه..سيدى الدوق..لقد فعلتها مرةً أخرى


تصدقينى لو قلت لك مش عارف ليه كل أما أفتكر المشهد ده بتأثر جدا و عينيا بتحاول تدمّع، بس أنا بمسك نفسى، - للأسف علبة مناديلى فضيت...باى..سى يو

Thursday, March 18, 2010

محاولة أخيرة لسحب ملاءة السرير فوق كتابٍ مغلق

صباح و مسا ، شى ما بينتسى" لم تعلم فيروز أنها تخاطبنى الليلة ، لكنها أصرت أن تصب كلماتها فى أذنى و أنا أصررت بدورى على الإستماع و إعادة السماع كمجذوب لحلقة ذكر راقصة ...الكلمات تحفر فى ذاتى تجويفاً لا أجرؤ على ردمه بالمشروبات الروحية أو أى شىء يستوجب فى هذه اللحظة غيابى عن الوعى..بل يزيد التجويف إتساعاً..و تحفر الكلمات خنادق و ممرات و على الجانبين أرصفة لعبور المارة من الجرذان الباحثة عن بقايا طعام ، أو من البشر الفضوليين المنقبين عن أسرار ربما يكون فى إطلاعهم عليها مفيدة فى تكوين صورة - أيضاً- ربما تكون هلامية عن ذاتى ..فيستطيعون صنع التكتيكان و المناورات و الخطط الحربية و الإستطلاعات الجوية و أجهزة البث ..حتى يتسنى لهم التعامل معى بحرص و بعفوية تبدو للوهلة الأولى غير مصطنعة و محبوكة ..فلا أقدر عن التكهن بما يعتمل فى صدورهم أو التنبؤ بما يخططون لتشكيل عقلى الواعى

أعلم ما أفكر به..مراقبتى لكل فكرة واردة أو صادرة، أى سلوك غير مسبوق أو سلوك قمت به مسبّقاً، لكنى ليست لدى القدرة على التحكم ...تصدر عنى ربما هذيانات أو ما يدل على العقلانية ..قمة التناقضات تأكلنى حتى أنى لا أستطيع- بدون وعىٍ منى- ترك فرصه لتكوين فكرة شاملة عن من أكون ، أو حتى فكرة جزئية عن مدى تقبلى لأن يكون حولى و لو ذؤابة نور تدل على أن الذين يلتفون حولى و يهمسون ، يزعقون، يحتكون، يقضمون..هم من فصيلة البشر

نادراً ما أفكر بعمق..لأن الكلمات لا تشكل عندى أى فائدة..إنها وسيلة مقيتة للتعامل..يكفينى أن أستمع للموسيقى، من الممكن أن تكون صاخبة أو هادئة أو ناعمة أو شاحبة، حتى الأوصاف لا تشكل عندى أى فائدة ، هى الموسيقى و فقط...توترات عازف ناى عجوز أو نقرات سريعة على أصابع البيانو لعازف محترف حازت يديه على الإعجاب لقدرتها التحرك بعفوية بألحان مستهلكة شبعت عزفاً على مر الزمن، أحب الكونشيرتو أكثر أو الصولو ..ربما لأنى حزين و أشعر بالوحدة...فأحادث الكتب و أترك لها عينى و رأسى كعجينة ملساء و لدنة لديها القدرة على التشكل فى صورٍ ليست خارقة

لدى الكثير من كتابات البورنو و الأعضاء المنتصبة أو المفتوحة يحوطها سائل لذج أشم رائحته فتصيبنى بالغثيان رغم أنى لم أمر بتجارب تعطينى النكهة الصحيجة لإمتزاج سائلين مختلفين..لكنى أشعر بالغثيان

كتب متنوعة تقفز على صدر العالم بصورة شريرة و أخرى تهدهده كطفلٍ رضيع ..لا تشكل عندى أى مفارقة غير أنى أصاب بالإندهاش لكمية النقاط المتشابهة بينهما

إصابتى بالنسيان جزئية .. ربما لوقت ضئيل ..قصير و خافت.. تتطلبة فترة غير طويلة للإستيعاب الكلىّ ، عند ذلك أتصورنى بطلة أو بطل أو حيوانا فى قصص إيسوب الحكيم أو طائراً خرافياً و فياً فى هارى بوتر، ...لذلك أيضاً روحى هائمة ..تنتقل من جسدٍ لجسد حتى أنى يأتينى وقت ..أقصد فى أغلب الأوقات لا أقدر على التمييز بين ملامح ذاتى و ملامح الآخرين

فى نهاية ليلتى و إنهاءا لهذا التنقل المزمن بين الشخوص و الأفكار المستوردة آخذ على نفسى عهدا بأنى لن أفتح كتاباً مرة أخرى ، و أجلس لمدة خمس ساعات قبل النوم، أمامى الكتاب ..مغلق، تغطيه ملاءة السرير حتى أغرق فى النوم و أصحو لأفتحه من جديد.

Wednesday, March 03, 2010

ألوان البولندي كيسلوفسكي/ بقلم: أمين صالح

 
 ثلاثية سينمائية عن العلاقات الإنسانية في تقاطعها

ثلاثية المخرج البولندي كريستوف كيسلوفسكي التي يحمل عنوانها الوان العلم الفرنسي:الازرق,الأبيض الأحمر..والتي تمثل الحرية الاخاء..لا تحاول – هذه الثلاثية – أن تحلل أو تسير أو تستجوب تلك المفاهيم على المستوى السياسي أو الاجتماعي ,إنما تحاول ان تعرضها في إطار فردي.شخصي.فالمخرج كيسلوفكسي وشريكه في كتابة السيناريو كريستوف بيزيفيتش ليسا مهتمين بالبحث في شعارات الثورة الفرنسية ,وليست الحرية التي يريدان إستقصاءها هي حرية الاختبار أو التعبير ,بل المفهوم المجرد للحرية الفردية ,أنهما يدرسان مدى قدرة الفرد على عزل نفسه ليس فقط عن محيطه وعائلته وأصدقائه ومهنته واهتماماته, إنما أيضا عن ماضيه وذكرياته.
    
في الجزء الأول " ثلاثة ألوان.. الأزرق" تحمل الحرية بعدا تراجيديا. جولي (جولييت بينو شيه) امرأة باريسية تفقد ابنتها الصغيرة وزوجها الموسيقار الشهير في حادث سيارة, فتبلغ الحالة القصوى من اليأس والانهيار الداخلي التي تدفعها الى محاولة الانتحار لكنها تتراجع, وتقرر قطع كل الخيوط التي تربطها بالماضي، وفصل نفسها عن الواقع, والنأي عن أي ارتباط عاطفي أو عائلي أو اجتماعي أو مهني.. إنها ترتد الى ذاتها لتسكن جرحا عميقا مغلفا بالحزن والرجع والألم, وتحيط نفسها بصدفة صلبة لا يسهل اختراقها، ثم تمشي معصوبة العينين نحو الفراغ الهائل.
تطلب جولي من محاميها بيع البيت الفخم, وترفض حب صديقها الموسيقي وساعدته في إكمال المقطوعة الموسيقية الأخيرة التي تركها زوجها، وتقيم في شقة صغيرة عادية لتبني لنفسها حياة جديدة, مجهولة معزولة, ولتتجرع فيها أحزانها قطرة قطرة.. وحيدة وخائفة.
لكن الواقع يرفض أن يدعها وشأنها، إنه يحاول اختراق عالمها بإلحاح.. من النافذة تلمح أشخاصا يضربون الرجل يهرب ويطرق بابها ناشدا المساعدة لكنها لا تفتح. بعد تردد طويل تفتح الباب فلا تجد أحدا. الفيلم لا يفسر ولا يوضح الحدث العابر، بل يدع لنا تأويل المجاز: الواقع يريد أن يخترق الصدفة وهي تصر على الانكماش والنأي، لكن في الوقت ذاته, ومن جانبها، نجد ذلك الصراع الداخلي العميق بين الانفتاح والانفلاق, الانفصال والارتباط, الحياد والمبالاة الانكفاء والفضول.
إنها تقضي أوقاتها في التجول داخل شقتها، التحديق في أشياء تحمل شحنات عاطفية خاصة, السباحة, ارتياد المقهى، زيارة أمها العجوز في المصح.. المحيط الخارجي بالنسبة لها أشبه بعالم مجهول, أشبه بمتاهة, ينتحل خاصيات غريبة وخارقة, وبوجه خاص, يثير اهتمامها أو فضولها، وان بشكل عابر وطفيف, عازف فلوت يعزف جزءا من مقطوعة زوجها الناقصة. مرة ترده في الشارع يعز في للمارة لقاء بعض النقود، ومرة ثانية ترده ينزل من سيارة فاخرة, ومرة ثالثة ترده نائما في الشارع مثل أي متشرد.. وعندما تسأله, في دهشة وفضول,عن مصدر الموسيقى وأين سمعها، يعطيها جوابا غامضا. هذه الشخصية, بمختلف حالاتها، تظل أيضا خارج نطاق التوضيح والتفسير والسبر. إنها خارقة تقريبا، وتمثل نوعا أخز من محاولة الواقع اختراق عالمها.
مرارا نجدها تسبح وحدها في بركة في محاولة موجعة لانهاك نفسها وتحييد حواسها. وهي تسعي الى التخلص من الألم النفسي العميق بتعريض نفسها للألم الجسماني. لهذا نواها تحك بعنف كفها على امتداد جدار راغبة في إيذاء نفسها واخراس مشاعرها بممارسة العنف البدني والنفسي معا.
إن أول انفتاح لها على العالم الخارجي يحدث عندما تقتحم المومس الشابة شقتها لتشكرها على رفضها التوقيع على عريضة مقدمة من سكان المبنى لطرد المومس. إن تعاطف جولي معها يشكل البادرة الأول للاهتمام. بعد ذلك يتاح لها الخروج النهائي من العزلة الصارمة عندما تكتشف أن زوجها كان يخونها مع محامية جميلة. وحين تلتقي بها وتعرف أنها تحمل ابنه في بطنها، تكشف عن تلك الطاقة الكامنة التي كانت تعتقد أنها قد تعطلت أو تبددت.. طاقة التسامح والغفران والحب,وتمنح الجنين أملاك والده. إن اكتشافها للخيانة يفني الى تحررها وخروجها من الصدفة, لتثبت أنها لا تزال قادرة على العطاء وعلى الحب.
الزمن في هذا الفيلم عائم, غير محدد. إنه بالأحرى يتوقف ويصبح بلا معنى إذ من المستحيل معرفة الزمن الذي تستغرقه الأحداث, فليست هناك إشارات أو تواريخ أو أحداث خارجية تسجل مرور الزمن. السرد اتفاقي نوعا ما يعتمد على المصادفات واللقاءات العابرة. بالصدفة تلتقي بعازف الفلوت, وبالصدفة تكتشف خيانة زوجها، والفيلم يوجد في زمنه الخاص ومنطقه الخاص.
الفيلم مرئي كليا من وجهة نظر جولي.. فمنذ اللقطة الأول لها، وهي راقدة على سرير المستشفى، نرى صورة الطبيب - الذي يخبرها عن موت زوجها وابنتها في الحادث - معكوسة في بؤبؤ عينها. والفيلم موسوم بذاتية حادة.. فالمخرج كيسلوفسكي يوظف كاميرته ووسائله البصرية (المونتاج)والسمعية (الموسيقى) في تأكيد هذه الذاتية, وفي التعبير عن ا لحالة الداخلية العميقة للبطلة.. كما في زوايا الكاميرا (تصوير المنظور من زاوية مائلة وفقا لوجهة نظر جولي) واستخدام التلاشي (Fade) حيث تختفي الصورة وتظلم الشاشة لثوان تعبيرا عن محاولة جولي الهرب من الماضي أو الذاكرة, أو التي تمثل استرجاعات مفاجئة ومرفوضة للذاكرة.
المخرج يعطي أهمية خاصة للتفاصيل الصغيرة, وهو ينجح في توصيل أحزان واوجاع البطلة بشكل مؤثر من خلال الإيماءات الدقيقة والصورة الموحية, وتقليب اللون الأزرق, وبالطبع من خلال الأداء الأخاذ والمحرك للمشاعر الذي قدمته جولييت بينوشيه. إن تحديقها في الفراغ, في الأشياء الصغيرة يمنح هذه الأشياء مغزى ودلالة خاصة. وعندما تتلقى نبأ موت زوجها وابنتها، تختزل بالتعبير الوجهي كل الوجع والألم والفقد.. دون مبالغة أو إفراط في التعبير. نحن أمام وجه لا يستعير الحزن بل ينضح به.
الموسيقى ذات الطابع الكلاسيكي، والموظفة هنا بشكل درامي رائع ومغاير لما اعتدنا عليه, تجسد صوت أو رنين الذاكرة, فعندما يجمد الحدث, وقت معاناة جولي اوجاع ذكرى إلزامية مفروضة عليها، تأتي الموسيقى حادة, ومفاجئة وكأنها تحاول ارغام جولي على استعادة ما تسعي الى نسيانه.الموسيقي تقتحم عالمها باستمرار، كما لو توحي بأن جولي ربما قادرة على عزل نفسها وفصلها عن كل ما يحيط بها، ولكنها أبدا لا تستطيع أن تتوارى وتختبيء عن ذكرياتها. والموسيقى, من جانب آخر، يمكن اعتبارها الخيط الوحيد الذي يربط " الأحداث ", او لحالات.
الزوج الميت يترك خلفه عملا موسيقيا غير مكتمل.. كونشرتو عن وحدة أوروبا. وثمة إيحاء بأن جولي هي ا لتي كانت تؤلف موسيقى زوجها، لكن الفيلم لا يؤكد هذا الاحتمال,غير أنه يؤكد بأنها الوحيدة القادرة على فهم موسيقاه واكمال العمل الناقص.. وهذا ما تفعله في النهاية.
ونكتشف بأن المقاطع الموسيقية التي كنا نسمعها طوال الفيلم ما هي إلا أجزاء متقطعة وغير مترابطة من الكونشرتو الناقص, التي تعزف في النهاية كمقطوعة كاملة, فيما الكاميرا تنتقل من جولي وصديقها، وهما خلف سطح زجاجي. لتظهر الشخصيات الأخرى.. الشاب الذي شهد الحادث, الأم, المومس, المحامية, وأخيرا الجنين.. إنها الشخصيات التي حاولت جولي أن تظل بمنأى عنها، متحررة منها، وهي الآن تتصل بوجودها وتتوحد معا، والموسيقى هنا تعبر عن هذا التوحد والانفتاح إنها لحظات مدهشة, مبهرة غنية بالمعنى.
العديد من الأفلام ربما تطرق الى هذا الموضوع البسيط ظاهريا لكن كيسلوفسكي استطاع بفيلمه هذا أن يقدم عملا قويا, محركا, عميقا, ومتألقا جماليا.. فحاز بجدارة على عدة جوائز من مهرجان فينيسيا 93 كأفضل فيلم وأفضل ممثلة وأفضل تصوير.. إضافة الى جوائز نقاد لوس انجلوس كأفضل فيلم أجنبي وأفضل موسيقى.. الى جانب جوائز عالمية أخرى.
 
 
الفيلم الثاني من ثلاثية المخرج البولندي كر يستوف كيسلوفسكي، والذي يحمل عنوان «ثلاثة ألوان.. الأبيض »، أنتج في العام 1993, وعرض لأول مرة في مهرجان برلين في فبراير 1994، حيث حاز كريستوف كيسلوفسكي على جائزة أفضل إخراج.
وهذا الفيلم لا يكمل الأول ولا يتصل به من ناحية الموضوع أو الشخصيات أو المواقع, رغم أن جزءا من مشهد المحكمة, الذي يبدأ به هذا الفيلم, نواه بشكل سريع وعابر في الفيلم الأول " ثلاثة ألوان.. الأزرق " حين تدخل جولي قاعة المحكمة أثناء بحثها عن المحامية. بالتالي, فإن بوسع المتفرج أن يشاهد هذا الفيلم كعمل منفصل ومستقل عن الفيلم الأول.
وكما أشرنا في البداية عن الفيلم الأول, فإن اللون الأبيض في العلم الفرنسي يمثل المساواة, ولكن كيسلوفسكي وشريكه في كتابة السيناريو كر يستوف بيزيفيتش لا يعيران اهتماما للمساواة بالمعنى السياسي أو الاجتماعي كما هو وارد في شعار الثورة الفرنسية, إنما يهتمان بالبعد الفرداني.. فعلى الرغم من أن بطل الفيلم كارول - المهاجر البولندي في فرنسا - يطالب أثناء نظر المحكمة في قضية الطلاق بمساواته مع الآخرين في الحقوق, إلا أن المخرج يتجه نحو منحى آخر،وهو القيام باستقصاء ميتافيزقي تقريبا في الالتباسات الاجتماعية والذاتية التي يثيرها مفهوم المساواة, ويكشف التناقضات بين الطبيعة الانسانية المرتكزة في أحد جوانبها على التنافس والدعوة الى المساواة بين البشر. ثمة دائما تعارض بين المثل الجوهرية وكيفية تحقيقها. إن بحث كارول عن المساواة يدفعه الى الاتجاه المعاكس, المضاد للمفهوم ذاته, ويصبح الهم الأساسي هو كيف يحقق مكانة أكثر سموا من أي شخص آخر.
ومثلما يطغى اللون الأزرق في الفيلم الأول, يهمني البياض في هذا الفيلم. الأبيض منتشر على امتداد الفيلم سواء عبر الأشياء أو المناظر والصور. إنه لون الثلج, الأرضية, نفق المترو، الملاءات التماثيل. البياض هنا يوحي بالخواء، لكنه الخواء الذي - على حد قول الناقد ديف كيهر- يمكن أن يشكل بداية جديدة, فكل فراغ قابل للامتلاء. الخواء ليس عدميا، بل ينتظر من يملأه ويشحنه بطاقة الحب.
تبدأ أحداث الفيلم في باريس. كارول (زاما كوفسكي) حلاق بولندي متزوج منذ ستة أشهر من الفرنسية دومينيك (جولي ديلبي). وهي تقيم دعوى ضده طالبة الطلاق بسبب عجزه الجنسي. بالنتيجة, هو يفقد زوجته التي يحبها كثيرا، يفقد مهنته, سيار ته, نقوده,جواز سفره, وفوق ذلك يفقد احترامه لنفسه.
يقضي كارول أيامه متسكعا في الشوارع وفي أنفاق المترو.. جائعا وبائسا وبلا مأوى. محاولاته للعودة الى زوجته تبوء بالفشل ويتعرض للإذلال. يلتقي برجل بولندي, مقامر محترف, يعرض عليه مبلغا كبيرا لقاء الاجهاز على شخص يرغب في الانتحار لكنه لا يجرؤ على ذلك (يتضح فيما بعد أن الراغب في الانتحار هو نفسه المقامر). كارول يرفض ارتكاب القتل. تتوطد العلاقة بينهما، ويقوم المقامر بتهريبه الى بولندا في حقيبة سفر.
في بولندا يقيم كارول عند أخيه الحلاق أيضا. ومقرر أن يعيد بناء حياته, والا يعرض نفسه للإذلال مرة أخرى، والا يكون أقل شأنا وقيمة من الآخرين. ويبدأ في المتاجرة بالعملات والعقارات بطرق غير مشروعة حتى يكون لنفسا ثروة. عندئذ يخطط للانتقام من مطلقته دومينيك. ولكي يجبرها على المجيء الى بولندا فإنه يزور وفاته ويجعل الأمر يبدو وكأن الحادث جريمة وليست وفاة طبيعية بحيث تتهم هي بقتله. لكن عندما يزورها في السجن يكتشف بأنه لا يزال يحبها، وتبدأ الدموع تنهمر من عينيه فيما يرنو اليها وهي واقفة خلف قضبان النافذة تعبر بالاشارة عن رغبتها في أن تتزوجه من جديد إذا استطاع أن يخرجها من السجن.
إن كارول يهوي في الفراغ لكنه لا يتجه الى العدم, يجتاز الجحيم اليومي لكنه لا يحترق.. فمن رماد الفشل واليأس والخيبات ينبعث من جديد ليصعد درجات النجاح والطموح. ومن الجوف المظلم الخانق للحقيبة المهربة يطلع الى فضاء الوطن الواسع, ومن القبر المجازي حيث الموت المزور يخرج كالعائد الى الحياة ليمثل أمام حبيبته ويدفن وجها في حضنها، ومن قهر العجز الجنسي ينفلت ليتحرر ويستعيد طاقته.
الحب هو نقطة ضعفه وقوته في آن. الحب الذي جعله عرضة للخيانة والإذلال, والذي جعله يفقد كل شيء، هو ذاته الذي طهره وغسل ذنوبه, لحظة انتصاره هي لحظة هزيمته, وعندما يظن أنه يثأر لكرامته وحقوقه المهدورة, يكتشف أنه واهم, وانه لا يستطيع أن يعيش بدون المرأة التي يحبها.
ثمة صورة تراود كارول وتتكرر أكثر من مرة عبر امتداد الفيلم وهي عبارة عن فلاش باك فيه تظهر دومينيك يوم زفافها وهي تخرج من الكنيسة ليستقبلها المدعوون ويقبلها كارول.
الصورة مغمورة بالبياض. الأبيض هنا لون البراءة والفرح, ولون الذاكرة أيضا. انها الذكرى الحلوة التي يتشبث بها كارول, ويستعيدها، كلما غاص في اليأس والحزن. استحضار الصورة هو تمسك بالحلم في أكثر تجلياته جمالا واشراقا وبراءة. وعبر تكرار الصورة يتولد الإحساس بالأمل وبأن هناك شيئا يشد كارول ولن يتركه يضيع أو يهوي نحو السديم الأخير.
إذا كانت جولي, في الفيلم الأول " ثلاثة ألوان.، الأزرق " تعيش في محيط ذاتي، معزولة عن الآخرين, وتعاني من صراعات داخلية عميقة, فإن كارول في هذا الفيلم - يعيش في عالم موضوعي، عدواني, وكل اتصال بالآخرين يتبعه فعل عنيف على المستوى النفسي والمادي، إنه يتعرض للإذلال والاضطهاد والتشرد والاعتداء، وهو بدوره يمارس العنف ضد المرأة التي يحبها فيرسلها الى السجن ليكتشف أنها الوحيدة التي يمكن أن توفر له الراحة والطمأنينة رغم قسوتها وبرودها العاطفي.
إن كيسلوفسكي يشير الى تخلخل النظام الاقتصادي البولندي لكنه لايهتم بتحليله, ففي ظل نظام يسوده الهرج والاهتياج والفساد يمكن لأي متلاعب أن يجني ثروة. وعندما يوجه كيسلوفسكي نقده لهذا النظام فإنه يتسلح بالدعابة والسخرية.
تقنيا, يتسم الفيلم بجاذبية بصرية ومهارة عالية في المونتاج, وأداء ديناميكي من زاماكوفسكي (أحد أكثر الممثلين شعبية في بولندا) وجولي ديلبي.
 
 
"ثلاثة ألوان... الأحمر" هو الفيلم الثالث ضمن ثلاثية كر يستوف كيسلوفسكي، وقد عرض لأول مرة في مهرجان كان في مايو 1994.. واللون الأحمر في العلم الفرنسي يمثل الإخاء.
أحداث الفيلم تدور في جنيف ويتمحور حول أربع شخصيات رئيسية: فالنتين (ايرين جا كوب) طالبة وعارضة أزياء في الأوقات الاضافية. وهي مهمومة بمشاكلها الخاصة.. خطيبها الذي يعمل خارج البلاد. في لندن تحديدا - والعلاقة بينهما تبدو متوترة, أمها العجوز الوحيدة, وشقيقها الذي يتعاطى المخدرات.
القاضي المتقاعد (جان لوي ترينتيان) الذي فقد اتصاله بالناس وبالعالم, وعاش في عزلة, منطويا على ذاته, شاعرا بالمرارة والنفور من ذاته ومن الآخرين في أن.
أوجست, طالب القانون الشاب, الذي هو على وشك التخرج. يكتشف خيانة حبيبته (كارين) فيمر بأزمة عاطفية.
كارين, حبيبة أوجست, تدير مكتبا من خلاله, وعبر المكالمات الهاتفية تقدم خدمات عن حالات الطقس.
العلاقات في هذا الفيلم محكومة ومدفوعة بواسطة سلسلة من المصادفات واللقاءات العرضية القائمة على الصدفة, حيث مصائر ودروب الشخصيات تتصل وتنفصل وتتقاطع. فالنتين تسوق سيارتها ليلا وتصدم كلبة القاضي. تأخذ الكلبة الى القاضي لكنه يطلب منها أن تأخذها أو تفعل بها ما تشاء فهو لا يريدها. يوما ما تهرب الكلبة وتعود الى القاضي. فالنتين تذهب خلفها، وهناك تكتشف - في ذهول واستنكار بأن القاضي يقضي أغلب أوقاته في التنصت على مكالمات الجيران الهاتفية. لكن في موازاة النفور تشعر بانجذاب خفي الى هذا الرجل القادر _ كما يزعم - على العيش بدون عاطفة الحب الذي يسترق السمع في محاولة يائسة لفهم الآخرين, وبالتالي, لفهم الحقيقة.
ثمة شي ء غامض يوثق عرى العلاقة بين هذين الكائنين المتناقضين. وهذه العلاقة بين الاثنين تضيء عدة تعارضات يهتم المخرج كيسلوفسكي بطرحها ومعالجتها في أفلامه. العزلة والاتصال, الصدق والزيف, الشك واليقين النفور والإنجذاب.
تدريجيا تتمكن فالنتين, بانفتاحها على الحياة وحساسيتها وما تختزنه من طاقة هائلة على الحب, على انتشال القاضي من عزلته وجعله يهتم ويتفاعل. واذا كان الزمن (فارق السن) يقف حائلا دون تطور العلاقة الى ارتباط عاطفي فان القاضي يجد بديله في الشاب أوجست.
ومع أن أوجست وفالنتين يتجاوران جغرافيا، حيث يقيمان في نفس الموقع, ويحاذي كل منهما الآخر أو يتقاطع معه, إلا أنهما متباعدان عاطفيا ولا يلتقيان ولا يلفت أحدهما نظر الآخر.. حتى عندما نجدهما في النهاية في الباخرة نفسها المتوجهة الى لندن. إن المخرج كيسلوفسكي، بعد أن يجعلنا نتهيأ لإمكانية حدوث اتصال بينهما ويجعلنا نتوقع هذا اللقاء المحتوم بين كائنين تجمعهما خيوط مشتركة ومتناغمة, يقوم بتخريب هذا التوقع ويوجهنا نحو ما هو أهم وأعمق, نحو النظر بعين نقدية وتحليلية وساهرة لعلاقات هؤلاء الأفراد الذين يتحركون أمامنا، والتعايش مع مصائرهم بالدرجة ذاتها من القلق والتشوش والرجع.. وكما يقول كيسلوفسكي. " في أفلامي، الأشياء نادرا ما تقال بشكل مباشر وصريح ".
أوجست هو صورة للقاضي في شبابه, إن حالته والتجربة التي يمر بها (خيانة حبيبته له " تعكس بدقة مرحلة حاسمة في الماضي كما عاشها القاضي قبل أربعين سنة والفيلم يؤكد على التماثلات بين أوجست والقاضي من خلال عدد من الوقائع والاشارات: كلاهما درس القانون, كلاهما تعرض للخيانة, وكلاهما اجتاز امتحان التخرج بفعل حيلة قدرية.. عندما يرمي أوجست الكتاب في غمرة ابتهاج فإن الكتاب يقع مفتوحا على الصفحة التي تحتوي على الاجابة التي يحتاجها لاجتياز الامتحان في اليوم التالي.. الحادثة نفسها كانت قد وقعت للقاضي قبل سنوات طويلة أثناء امتحان التخرج.
في النهاية, تسافر فالنتين بالباخرة الى بريطانيا على أمل الالتقاء بخطيبها، وعلى نفس الباخرة يسافر أوجست أيضا لكنهما لا يلتقيان. والباخرة تتعرض لعاصفة وتغرق,ومن ركابها لاينجو إلا عدد قليل من بينهم نرى (كما يرى القاضي على شاشة التليفزيون): جولي وصديقها (من الفيلم الأول)، دومينيك وكارول (من الفيلم الثاني), فالنتين وأوجست.. هذه النهاية توحد - بشكل مفاجيء وغامض - كل الشخصيات الرئيسية من الأفلام الثلاثة التي تشكل الثلاثية.
ثمة صورة أخرى تتكرر في الثلاثية وتكشف طبيعة الشخصيات الرئيسية وحقيقة دواخلها: إنها اللقطة التي تظهر المرأة العجوز وهي تسير منحنية وتحاول بجهد وبمشقة وضع زجاجة في المكان المخصص لها.. جولي (في الأزرق) المستغرقة في حزنها الخاص لا تلاحظ العجوز فلا تبادر الى ساعدتها. كارول (في الأبيض) يلاحظها لكنه لا ينهض لمساعدتها ولا يكترث بها بل يبتسم ابتسامة قاسية كما لو أنه يلمح موقفا هزليا. أما فالنتين (في الأحمر) فإنها تتوقف لمساعدتها لأنها الشخصية الأكثر إيجابية وانفتاحا.
التليفون يلعب دورا أساسيا في فيلم " ثلاثة ألوان.. الأحمر".. الفيلم يبدأ باتصال هاتفي والكاميرا تقتفي بحركة سريعة جدا المسار الاليكتروني لخط التليفون, بأسلاكه المتشابكة, عبر القنوات والمجاري وتحت المحيط, حتى نهاية الخط حيث التليفون يرن ولا أحد يرد.
كل شخصيات الفيلم تتصل ببعضها أو بالآخرين عبر التليفون: فالنتين وخطيبها يتبادلان الأحاديث الطويلة من خلال المكالمات العديدة حيث نكتشف طبيعة العلاقة بينهما. التليفون هو وسيلة الاتصال بين كارين وأوجست. والكيفون هو مصدر كسب لكاوين. القاضي يقني أغلب أوقاته في التنصت على مكالمات الآخرين. إنه مجتمع يحاول أفراده جاهدين تحقيق اتصال فيما بينهم, لكن لا يتسنى لهم ذلك بشكل مباشر وحميمي وإنما بواسطة هذه الوسيلة الباردة.
بطلة الفيلم إيرين جا كوب (التي أدت دورين في فيلم كيسلوفسكي السابق.. حياة فيرونيك المزدوجة) ممثلة موهوبة, جميلة, تكشف عن حساسية عالية في الأداء. تقول: "عندما قرأت السيناريو لم أجد أي تماثل بين فالنتين وفيرونيك, لكن حين شاهدت الفيلم وجدت ذلك التماثل.. وكان أمرا مدهشا للغاية. فالنتين والقاضي كائنان يفصل بينهما الزمن, ولا يمكن أن يرتبطا بعلاقة عاطفية. خلال تصوير المشاهد في منزل القاضي تلك اللحظات الحادة والمكثفة جدا، كان كيسلوفسكي يقف بيننا ليراقبنا عن كثب ويرى كيف يتفاعل كل منا مع الآخر. كان علينا أن نعتمد على اللحظة, لأننا لم نكن نعرف الى أين سوف يمني بنا المشهد بالطبع كنا ندرك ما سوف نصوره وقد أجرينا بروفات, لكن حين بدأنا التصوير غمرتنا العاطفة فجأة وكيسلوفسكي لم يكن يعيد تصوير المشاهد كثيرا، لم تكن لديه فكرة ثابتة أو متبلورة بشأن ما يريد أن يفعله, كان ينطلق من اقتراح ما".

إن كيسلوفسكي في ثلاثيته يطرح الأسئلة,الكثير من الأسئلة, ولا يبحث عن أجوبة.